أخبار عاجلة

د.حسن عماد مكاوى يكتب… اختلال مقياس الجمال في الدراما التليفزيونية!

تعد الدراما التليفزيونية فناً مستقلاً عن الفنون الأخري مثل السينما والمسرح، فنحن نرتاد السينما والمسرح باختيارنا، ونتحمل مشاق الانتقال من مواقع إقامتنا إلي دور السينما والمسرح، وننفق الأموال بحثاً عن متعة العمل الفني المعروض وإبداع الكاتب أو المخرج أو الفنانين.
 وعلي خلاف ذلك، فإن الدراما التليفزيونية هي التي تقتحم منازلنا، وتفرض علينا مضامينها التي ينبغي أن تناسب المشاهدة الأسرية، وهو ما يستوجب من القائمين علي الدراما التليفزيونية مراعاة معايير المجتمع وآدابه، واختيار المحتوي الذي يتلائم مع المشاهدة الأسرية. ونستطيع الحكم علي جودة العمل الدرامي في إطار ما يمكن أن نطلق عليه ” مقياس الجمال”، حيث يوجد في أحد أطراف هذا المقياس الفنانون الجادون، والمنتجون الذين يحرصون علي متطلبات الجودة، ويصرون علي أن تعطي أعمالهم عمقاً أفضل لمعني الحياة الإنسانية. وعلي الطرف الآخر من المقياس يوجد الفنانون والكتاب والمنتجون الذين يسعون إلي ترويج الأعمال الشعبية التي يغلب عليها السطحية والإثارة والإسفاف، ولا يهتمون كثيراً بالرؤية الفنية في أعمالهم، وإنما ينصب اهتمامهم علي جذب أكبر عدد من الجمهور لمتابعة أعمالهم بحثاً عن الرواج الإعلاني، ويؤدي هذا الجذب التجاري إلي قيادة ذوق الجماهير نحو ابتذال الحياة الإنسانية، أو الهروب منها كلية. ففي أحد أطراف المقياس يكون الهدف هو القيمة والرسالة، وفي الطرف الآخر يكون الهدف هو الربح، وعادة ما يواجه الممارسون للعمل الدرامي جدلية الاختيار بين مطالب الفن الراقي، ومطالب السوق المبتذلة. وإذا حاولنا تطبيق المقياس السابق علي دراما رمضان لهذا العام، فسوف نلاحظ الانحياز التام لجانب السطحية والأرباح علي حساب القيمة الفنية. ولعلي أتفق مع رأي الناقدة علا الشافعي التي تري أن الدراما المصرية انتقلت من المنافسة الفنية إلي الصراع وتكسير العظام في تفاصيل ليس لها علاقة بالفن والإبداع، كما أن سيطرة أفكار (تيمات) معينة علي عدد كبير من الأعمال الدرامية المعروضة هذا العام يؤكد أنه لا مجال للاختلاف إلا قليلاً، وأن هذه الحالة تجعلنا نقلق علي مستقبل الدراما المصرية. ركزت معظم مسلسلات هذا العام علي الحركة، والإثارة، والغموض، والعنف بكل أشكاله، ومن أمثلة ذلك مسلسلات: إختفاء، وضد مجهول، وعوالم خفية، ورحيم، وطايع، وفوق السحاب، والرحلة، وأمر واقع، وكلابش٢، ونسر الصعيد. يقابل ذلك تجاهل تام لنوعيات الدراما الأخري الاجتماعية، والتاريخية، والدينية، والكوميديا، وكل ذلك يعكس خللا واضحاً في أولويات الاهتمام، ولا يصب في صالح الدراما، ولا في صالح القنوات الباثة، ولا في صالح المجتمع بالتأكيد. يجدر بالدولة أن توجه هذا العبث، ليس من خلال فرض الرقابة التي انتهي زمانها، وانما عن طريق إعادة الاعتبار لإعلام الدولة من خلال قطاع التليفزيون، وشركة القاهرة للصوتيات والمرئيات، ومدينة الإنتاج الإعلامي. وكذلك وضع التشريعات التي تكفل حظر هيمنة شركات الإعلان علي المحتوي الإعلامي، وإعادة الاعتبار لكبار الكتاب والمخرجين والفنانين الجادين الذين ينأون عن المشاركة في هذا الهزل، وإفساح المجال أمام المبدعين الجادين لتحقيق التنوع وضمان المنافسة الشريفة. ويجب أن يكون للنقابات الفنية دور في تحديد سقف الإنتاج، وأجور النجوم المبالغ فيها، وإعادة تنظيم الصناعة وحماية العاملين فيها، ومواكبة التطور في القضايا المطروحة والتقنيات الفنية المستحدثة، وأخيراً لعل الكرة الآن في ملعب مجلس النواب!!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *