أخبار عاجلة

د.أيمن رفعت المحجوب يكتب… جدلية الأديان في العدالة الاجتماعية… ج2

إن التفسيرات السابقة لإسرائيل حول أن اليهود شعب الله المختار في الأرض وما ترتب على ذلك من خطيئة الكبرياء والتعالي على باقي أجناس الأرض من البشر ، نشاء التناقض وجدلية الأديان حول العدالة الاجتماعية ، وأخذ الأمر يستفحل.
فلا غرابة إذاً أن يخرج النور والظلمة من الشعب ذاته ، أن يأتي المخلص ، وقاتل المخلص من اليهود أنفسهم ، أن يضرب الابن من بيت أبيه. فجاء يسوع المسيح من أعماق هذا التناقض ليهدم كل هذه الموميائياتالقتالة!. لقد كانت الأبصار في ذلك الوقت على متون الأرض ، فسما بها لتخترق أجواء الفضاء ، ورفعها عن ادوات المادة ليعلقها في ملكوت السماوات!.
فلقد بشرت التوراة بمجيء سيدنا المسيح مخلص الانسانية كلها ، وكان الكتبة والفرنسيون ورجال المال من اليهود ينتظرون مجيء المسيح ، قائد جبار ، قوى بطاش ، ليحرر الشعب اليهودي من الدولة الرومانية الظالمة ، ويقيمه حاكماً على شعوب الأرض ، فيحقق اليهود أمالهم العنصرية ، وسيطرتهم المادية ، فخاب فألهم إذ جاء المسيح فقيراً ، متواضعاً محباً! إنه لم يأت ليجترح العجائب ، ولا لينقذ أهل اليهود وحدهم من الظلمات وحكم الرومان ، فلقد بعث من الله ليغفر الخطايا ، لأن مغفرة الخطايا أمر أجل وأجدى للإنسان ، إنه يتناوى الحياة الألية: وماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!.
ولقد حملت المسيحية لنا جميعاً معنى الانفتاح على كل الشعوب وحاربت فكرة الانغلاق على شعب بعينه ، واحتكار هذا الشعب لله ، وازدواجية الآله في اليهودية ، الذي هو تارة إله محبة وعادلة مستمد من التوراة ، وزهو “اليهودية الموسوية” الذي خاطب السيد المسيح أفرادها الطيبين بقوله “طوبى لكم” وهو طورا إله بغض وحقد ، وبطش وجور ، وهو “اليهودية التلمودية” ، والتي خاطب المسيح أفرادها بقوله “الويل لكم”. والتي كانت تشكل الدين السري الخاص بالمجتمعات الداخلية لليهود ، هذا الدين الذي يستمد تعاليمه من التقاليد والطقوس ، والأحقاد المتراكمة المتوارثة!.
لقد جاءت المسيحية لتبطل اليهودية الموسوية إلى الأبد ، فجاء قول السيد المسيح “لا يقدر أحد أن يخدم سيدين ، فإنه إما أن يبغض الواحد ، ويجيء الآخر ، أو يلزم الواحد ويرزلالآخر إنكم لن تستطيعوا أن تعبدوا ربين: الله والمال” (متى 24:6).
غير أن هذا لم يبطل اليهودية كروح أو معنى ، إنما أبطلتها كجسد أومبي ، أبطلت الحرف ، أبطلت فيها التمسك الأعمى بالتقاليد المذهبية ، وأبطلت فيها جهل الانسان للحقيقة الانسانية من الباطن ، وتركيز فهمها لتلك الحقيقة على أشكال مادية خارجية.
وعلى ما تقدم يتضح لنا أنه قد قدر “لليهودية أن تكون تمهيداً للكنيسة المسيحية ، الوارثة لمواعيد العهد القديم عن مستقبل شعب الله”. إذ كانت اليهودية تنظر مجيء المسيح ، فأتي وحقن الآمال والأماني الروحية التي ابتغتها الانسانية في الدين اليهودي ولم تتحقق ، من نداء الفطرة في ساعة العسرة ، وقبس الأمل في نية الضياع ، وبلسم الرحمة يندي على جراحات الظلم والقسوة ، ونبراس العدالة الاجتماعية في عالم التفاوت والتطاحن والحقد والجلالة.
ونتيجة لذلك لم يعد لليهودية مبرر للبقاء ، لقد أفرغها الدين المسيحي من مضمونها التوراتي إلى الأبد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *