أخبار عاجلة

د.مجدي العفيفي يكتب… اتفقوا.. وكانت المرة الأولى والأخيرة…!

(اتفقوا…).. كانت هذه الجملة المكثفة، والمكونة من الفعل والفاعل والمفعول معًا (مانشيت) الصحافة عقب انتهاء أعمال القمة العربية في الخرطوم بالسودان، بعد هزيمة 1967 البشعة بحضور جميع الدول العربية، ما عدا سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد إسرائيل (!!!) نعم (شاركوا) جميعا، و(اتفقوا) على اللاءات الثلاثة المشهورة: (لا صلح .. لا تفاوض مع إسرائيل.. لا اعتراف بها، مع تأكيد وحدة الصف العربي، والاستمرار في تصدير النفط إلى الخارج)..!!
ومنذ ذلك الحين لم يحدث أن اجتمعوا كلهم وإلى الآن.. ولم يتفقوا على شيء ذي بال.. ولم يجمعوا على شيء يذكر.. خطب عنترية.. وما أكثر العنتريات العربية.. وكلمات تذروها رياح غضب الشعوب المنكسرة..!. على طريقة (الأرض أرض والسماء سماء.. والنار قيل بإنها حمراء… والصيف صيف والشتاء شتاء.. والماء ماء والهَواء هواء..).
اتفق العرب لأول وآخر مرة في تاريخهم الحديث (المجيد !!) منذ انعقاد أول قمة عربية في مصر بتاريخ 28 مايو 1946 بدعوة من الملك (فاروق) في قصر (إنشاص) بحضور الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهي مصر، وشرق الأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، وخرجت بعدة قرارات، أهمها مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها، وتأكيد أن القضية الفلسطينية هي قلب القضايا القومية، والدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مع اعتبار أي سياسة عدوانية ضد فلسطين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر.. ففي القمة الثانية بيروت 13 نوفمبر 1956 التي عقدت بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون إثر الاعتداء الثلاثي الغاشم على مصر وقطاع غزة، وشارك فيها تسعة رؤساء عرب، أجمعوا في بيان ختامي على مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، واللجوء إلى حق الدفاع المشروع عن النفس، في حالة عدم امتثال الدول المعتدية (بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل) لقرارات الأمم المتحدة وامتنعت عن سحب قواتها، (قارنوا تلك اللحظة الماضية باللحظة الراهنة.. الدرامية الدامية).
في ألوف الصفحات والقرارات والخطب والعنتريات والتوصيات (إياها) عبر 29 قمة من (إنشاص إلى الظهران 1946- 2018) يغرق المرء منا وتأخذه دوامة مشحونة بعلامات التعجب والدهشة السلبية، وهو يتأمل دون عناء في مطابقة التصورات للتصديقات.. ليخرج صفر اليدين إلا قليلا… !!.
وفي الظلال السوداء لهذا الصفر.. تنثال الأفكار انثيالا.. فنحن نحب فجأة.. ونكره فجأة.. نغضب فجأة ونفرح فجأة.. نضحك فجأة ونحزن فجأة.. نقرر فجأة ونقر فجأة.. ننام فجأة ونصحو فجأة.. نكتشف فجأة ونتكشف فجأة.. كل حياتنا مفاجآت.. ومماتنا أيضًا.. أوجاعنا فجأة.. أوضاعنا أيضًا.. قراراتنا.. حساباتنا.. خططنا.. تخطيطنا.. حتى مفاجآتنا.. تتم فجأة ..منا وفينا وعلينا.. ولنا..! لماذا؟
لاتزال فلسطين تصرخ.. ولايزال القدس أسيرًا.. والنهضة العربية متجمدة.. والخلافات في قمتها.. و(الخيار الإستراتيجي) لايزال في شجره.. وأي دولة تطل برأسها لتغرد بطريقتها يتم سحقها.. جهارا نهارا.. والشاهد الأكبر: الكيان الصهيوني يمد ويمتد طولا وعرضا.. شرقا وغربا.. شمالا وجنوبا.. وما دون ذلك.
هل ضاعت قرون استشعارنا؟ ما بالنا لم نعد نتحسس أمامنا؟! ما لنا نصر على أن نضرب رؤوسنا في حائط الطريق المسدود؟ ما بالنا نرى الخطأ والخطيئة ونصر على أن نفعل وننفعل ونتفاعل بجد وجدية في مثل هذه الأمور؟
نحب في اللغة العربية «المفعول» ونكثر منه ومن صيغه، لدينا «المفعول به» و«المفعول فيه» و«المفعول معه» و«المفعول لأجله».. أما «الفاعل» فهو «مرفوع».. و«ضعيف» و«مسنود» و«ضمير مستتر» و«مبني للمجهول» وله «نائب» قليل هو «الفاعل» وكثير هو «المفعول»! فاللغة صورة للتفكير..! ومرآة تعكس حركة حياة أصحابها.
تهرب الفكرة مني.. إن الهروب مقدر علينا.. كل شيء حولنا يهرب منا هو الآخر.. لو كانت الفكرة واضحة فأسلوبها لابد أن يكون واضحًا.. لكن متى كان الوضوح عنوانًا لنا؟
مرة أخرى تتوه الفكرة.. وأحاول أن أستعيد لها شكلا.. لكننا نعيش ذلك التوهان في عصر الاستعارة.. أسماؤنا مستعارة.. أشكالنا مستعارة.. مأكولاتنا مستعارة.. مشروباتنا مستعارة.. مشاعرنا مستعارة.. قلوبنا مستعارة.. مع أن «الاستعارة» في البلاغة العربية عمدتها، وفي كل اللغات هي أرقى أشكال التعبير.. فهي تخل بالتوازن، وتعصف بالنظام الثابت للأشياء..!
كلما أعثر على طرف الفكرة.. فإذا بها تتحول إلى كرة من الخيط المتكور حول بعضه.. فعل ثوري وفعل ثيراني مضاد.. ملاليم وملايين.. اتهامات وإقصاءات.. ثأر بايت.. ودم بارد.
عودة إلى الوراء بقوة.. ودفع قسري إلى الأمام.. دين وديناميت.. فلول وذيول.. تشتت وبعثرة.. تقدميون ومتخلفون.. إسلام واستسلام.. ديون ولصوص.. ثراء فاحش وفقر فاحش.. تكفير وتفكير.. صراع وصراخ وصداع.. وعلاج للسرطان بقرص إسبرين.. ضلال وتضليل، إصلاح مجرد اصطلاح.. وقضايانا مركونة على رفوف بالية.. و.. نظل نحن ضحايانا.. !!.
أريد أن أتحدث عن حالي كإنسان عربي شرقي كوني عالمي، يشكل رقمًا في كمية المليار والنصف مليار مسلم الذين ينتشرون في أنحاء العالم.. لكن في فمي ماء.. !
تصوروا.. نحن أكثر من المليار ونصف المليار مسلم، ومع ذلك لا صوت لنا ولا صورة، إلا الفقر والعذاب، والهوان والمشكلات والحروب والصراعات والمؤتمرات والمؤامرات والاحتلال والاختلال والاعتقال.. وكأننا وحدنا في هذا الكون.. أو قل إن الكون معذب بنا !!.
أين نحن.. من نكون.. ما قوتنا.. ما هويتنا؟
سنجد ألف جواب.. نحن العرب الأمجاد.. نحن التاريخ.. نحن الحضارة.. نحن محور الكون.. نحن أم كوكب الأرض.. نحن الذين قدمنا وقدمنا.. ونحن.. ونحن … كله في الماضي.. والماضي في القبور.. فنحن إما أن نتحدث عن الماضي، ونشبعه استدعاء.. ونعيش عالة عليه حتى يضج بنا.. وإما أن نتحدث عن المستقبل المشرق والزاهر الواعد الأفضل الأحسن (!!).. أما الحاضر.. أما اللحظة الراهنة فهي «مغيبة» بفعل فاعل.. وهنا يظهر الفاعل وبقوة.. فلا هو ضمير ولا هو مستتر.
عفوا لهذه الهمهمة.. عفوا لهذه الحمحمة.. عفوا لهذه الثرثرة.. التي كأنها تصرخ في آبار قديمة..
عفوا.. فإني أحاول أن أقرأ وأستقرئ (كتاب القمة العربية) من (إنشاص إلى الظهران 1946- 2018) بامتداد 72 عامًا.. !
والبقية في حياة جامعة الدول العربية.. ! وفي حياتنا أيضًا..!
و(أمجاد يا عرب أمجاد)..
ولا عزاء لك يا وطني.. (وطني حبيبي الوطن الأكبر) ..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *