أخبار عاجلة

أيها الرئيس لست أمير المؤمنين

                                              أيها الرئيس لست أمير المؤمنين

 

سياسة الناس وإدارة شؤونهم وتنظيم علاقاتهم وتوجيه سلوكياتهم من أعظم الأعمال في حياة المجتمعات والشعوب والحضارات والأمم فقد اقتضت سنة الله في خلقه أنه لا يصلح حالهم ولا تستقيم حياتهم إلا فى ظل وجود الحاكم أو الرئيس أوالزعيم الذى يقيم فيهم العدل ويدفع عنهم الظلم وينظم الحياة ويمنع الفوضى ويحافظ على الحقوق وينصح لأمته وشعبه ، يأمن في وجوده الخائف ،ويقوى الضعيف ،ويرتدع الظالم ،وتصان الأعراض وتعصم الدماء ،وتقام الحدود ،ويحفظ الدين فإذا لم يكن في حياة الشعوب والمجتمعات والدول رئيساً أو حاكماً  يتولى إدارة حياتهم تحولت إلى فوضى وصراعات واختلافات لا تنتهي ولا تقوم بعدها حياة.

                             لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ … وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا.

ولما كان الهدف من الحكم واضحاً ووظيفة الحاكم بينة وظاهرة ظهر في حياة المسلمين حكام وولاة ، حكموا وعدلوا ونصحوا وبينوا ما زالت مآثرهم إلى اليوم يشهد لها التاريخ ويسطر المجد الذى حققوه بإممهم وشعوبهم لأنهم أستشعروا هذه الأمانة وأدركوا أن السلطة تكليف وليست تشريفً، فقد اختارهم الشعب وبايعهم بالرئاسة لكفاءتهم، وبايعهم وأئتمنهم على أرواحه وأعراضه وأمواله، وجعلهم وكلاء عنه في حماية أمور الدين وتدبير شئون الحياة، ومن حق الشعب أن يراقبهم ويحاسبهم، أو يعزلهم إذا انحرفوا.

فهذا أبو بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- يقول بمنتهى الإخلاص والتواضع ومراعاة لحقوق الناس لا طمع فى كرسى أومنصب يقول عندما استلم الحكم : (قد شاء الله أن أتولى أمرَ الناس وأمرَ المسلمين فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم).

ولم تكن العلاقة بين الحاكم والرعية قائمة على الخيانة والتآمر وعدم الثقة ولم يكن هناك عنف أو استبداد أو ظلم أو تعدٍ على الحقوق أو تنصل من الواجبات ولا هناك تعذيب ممنهج وسجون تحت الأرض وأجهزة قمع مختلفة لترهيب الشعوب ولكن كان هناك عدل وحزم وحب وكرامة ..

فقد بين صلى الله عليه وسلم أن هذه العلاقة قائمة على الحب والتآلف والرحمة فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ” (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتُصلّون عليهم ويُصلّون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم ؟ قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة ” (رواه مسلم ( .

وقد حذر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالة لولاته وأمرائه في جميع الأمصار وخاطب بذلك الراعي والرعية حتى لا يكون العنف والظلم والجشع والتكبر والإستعلاء هو أساس العلاقة بينهم فقال رضي الله تعالى عنه : “إني والله! ما أُرسل عُماَلي إليكم ليضربوا أبشاركم، ولا ليأخذوا أموالكم، ولكن أرسلهم إليكم ليعلِّموكم دينكم وسنتكم؛ فمن فُعِلَ به شيء سوى ذلك فليرفعه إليَّ؛ فوالذي نفسي بيده لأقتصن منه، فوثب عمرو بن العاص، فقال: يا أمير المؤمنين! أوَ رأيت أن كان رجلٌ من المسلمين تولىَ أمرَ رعية فأدَّبَ بعضَ رعيته أئنك لمقتصن منه؟ قال: إي والذي نفس عمر بيده لأقتصُ منه، ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولاتفتحوا عليهم أبواب الحاجة فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفِّروهم “

يا الله .. أي رحمة هذه وأي شفقة هذه ؟! وأي حبٍ هذا ؟! وأي استشعار للمسئولية ثبت في قلوبهم واستعظمته نفوسهم؟!

لقد كتب الحسن البصري رحمه الله رسالة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يبين له الحاكم العادل والشروط التي يجب أن تتوفر فيه فكان مما قال : أعلم يا أمير المؤمنين:

أن الله جعل الإمام العادل قوَّام كل مائل وقصد كل جائر، وصلاح كل مفسد، وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف.

والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي المشفقُ على إبله، الرفيق الذي يرتاد لها أطيب المرعى ويزودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحر والقر.

 والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، كالأب الحاني على ولده، يسعى لهم صغاراً، ويعلمهم كباراً، يكتسب لهم في حياته، ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، كالأم الشفيقة البارة بولدها حملته كرهاً ووضعته كرهاً، وربته طفلاً تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته.

 والإمام العادل، يا أمير المؤمنين وصي اليتامى، وخازن المساكين: يربي صغيرهم، ويرعى كبيرهم .. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالقلب بين الجوانح تصلح الجوانح بصلاحه وتفسد بفساده..

والإمام العادل، يا أمير المؤمنين، هو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، فلا تكن يا أمير المؤمنين، فيما ملكك الله ..كعبد إئتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدل المال وشرد العيال، فأفقر أهله، وفرق ماله..

وأعلم يا أمير المؤمنين إن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش، فكيف إذا أتاها من يليها؟ وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم.

 هذا هو الحاكم الذي لا يمكن أن يطالب بالرحيل أبداً .. وإن رحل عن الدنيا بقدر الله واجله فلن يرحل

عن قلوب رعيته وشعبه

أما الحاكم الذى لايبالى بالمظاهرات التى تدعوه للتنحى والرحيل الحاكم الذى لايتحرك له ساكن أمام نزيف الدم الذى يقطر من شباب أمته وشعبه الحاكم الذى لايهتم بمصاب شعبه ويخرج بخطابات ويلقى بيانات تواسى أخرين ولايذهب لمواسة شعبه وأهله الحاكم الذى يثقل اكتاف الفقراء بالضرائب والجبايات والقروض من هنا ومن هنالك الحاكم الذى له ألف قرار ويعود عن قراراته الحاكم الذى يعد ولم يفى بوعوده الحاكم الذى لم يجد المريض فى ولايته دواء ولم يجد الجائع فى حكمه غذاء ولم يجد المسكين من زمهرير البرد رداً الحاكم الذى يرجع فى أخذ القرارات إلى حزب أوفصيل لايهتم إلا بتحقيق الشهرة والنجومية حتى ولو على حساب أحلام البسطاء نقول له عذراًأيها الحاكم أنت لست ممن نرى فيهم انهم اهل لهذا المكان ولن تكون يوماً أميراً للمؤمنين واسمع هذا الحديث جيداً أيهاالرئيس .

الحديث الذى جاء في صحيح البخاري من حديث معقل بن يسار أن النَّبِيَّ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- قال: (مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّة) وفي لفظ” رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-،فَقَالَ: «مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُوَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ، إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»
وانظروا إلى عمر بن عبد العزيز بعد أن تولى الخلافة تقول زَوْجَتُهُفَاطِمَةُ: دَخَلْتُ يَوْمًا عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُوَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى يده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مالك؟ فقال: ويحكيا فاطمة، قَدْ وُلِّيتُ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا وُلِّيتُ،فَتَفَكَّرْتُ فِي الْفَقِيرِ الْجَائِعِ، وَالْمَرِيضِ الضَّائِعِ،وَالْعَارِي الْمَجْهُودِ، وَالْيَتِيمِ الْمَكْسُورِ، وَالْأَرْمَلَةِالْوَحِيدَةِ وَالْمَظْلُومِ الْمَقْهُورِ. وَالْغَرِيبِ وَالْأَسِيرِ،وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَذِي الْعِيَالِ الْكَثِيرِ، وَالْمَالِ الْقَلِيلِ، وَأَشْبَاهِهِمْ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَأَطْرَافِ الْبِلَادِ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ سَيَسْأَلُنِي عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ خَصْمِي دُونَهُمْ مُحَمَّدٌ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، فَخَشِيتُ أَنْ لَا يَثْبُتَ لِي حُجَّةٌ عِنْدَخُصُومَتِهِ، فَرَحِمْتُ نَفْسِي فَبَكَيْتُ..) (البداية والنهاية) .

هذا هو الحاكم الذي لا يمكن أن يرحل أو يطالب بالرحيل وإن عمر بن عبدالعزيز نموذجاً لهذا الحاكم الذي لم يرحل من حياتنا حتى وقد مات قبل قرون من الزمان .. لم يرحل .. ولم يطالب أحد برحيله إلى اليوم وإنما يتمنى الكل أن يعود ليبقى ملكاً وحاكماً ولعل الله يبعث من مثله من يشيد لهذه الأمة مجدها وتاريخها وحضارتها من جديد وما ذلك على الله بعزيز .. لقد قال أحباراليهود وقساوسة النصارى عند موته لقد رُفع العدل من الأرض.                                                                                                                                                                                                                                                                                               إنتهى

                                                                                     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *