أخبار عاجلة

عبدالعظيم درويش يكتب.. عمرو موسى و«فول الصين العظيم» !!

أقر بدايةً بأننى كنت من بين أشد المتحمسين لتوليه المنصب الرفيع خلال الانتخابات الرئاسية التى أجريت فى العام 2012، لا لشىء سوى لقناعتى وقتها بأن خبراته مع مؤسسات دول العالم العربى والغربى تؤهله لأن يكون «Prefabricated President» أى رئيس سابق التجهيز من بين هؤلاء المرشحين وقتها.
غير أن ثقته فى نفسه التى تجاوزت كل الحدود لتلامس «الغرور» قد دفعته إلى «الصعود لقمة الهاوية» خلال تلك المناظرة التى أجراها قبل التصويت بأيام قليلة مع منافسه وقتها الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذى كان قد أعلن «انسلاخه» عن جماعة الإخوان الإرهابية، وصحبه أيضاً فى رحلة الصعود إلى الهاوية بعد أن اكتشف الناخبون أن عملية الانسلاخ عن الجماعة كانت «صورية»، أو بمعنى أصح تتفق مع «مبدأ التقية» الذى يمثل ركناً رئيسياً فى أدبيات الجماعة وفكرها إلى درجة أن «أبوالفتوح» أصبح له نصيب وافر من بيانات هيئة الأرصاد الجوية فهو «ثائر صباحاً.. مائل إلى الجماعة ليلاً»!
خلال المناظرة حاول «موسى» -الذى تقمّص بنجاح منقطع النظير شخصية محمد هنيدى «محيى الشرقاوى» فى فيلم «فول الصين العظيم» الذى كان «وثيك فى الفوز»- أن ينزع نقطة «القوة» من منافسه، فبالغ فى مغازلة الأغلبية المسلمة، وفى الوقت نفسه بدأ يطمئن المسيحيين على وضعهم إذا ما جرى انتخابه ويركز على أنه رجل دولة، وله خبرة فى العمل السياسى.
لم يكتف «موسى» بذلك، بل بالغ فى الادعاء بأنه كان معارضاً للنظام السابق ومختلفاً معه. وتحدّث كثيراً كمسئول كبير يعرف الكثير من أمور الدولة، وله علاقات محلية ودولية مؤثرة، وبدا وكأنه المسيطر والمعلم والعليم ببواطن الأمور، وتصرف فى أوقات كثيرة بشكل سلطوى فوقى مع مديرى المناظرة، وكان يتحدث كثيراً بصيغة المفرد «أنا».. وربما يرجع هذا لإحساسه العالى بذاته أو لكونه مارس العمل طويلاً مسئولاً عن الخارجية المصرية اعتاد على إصدار الأوامر لمن حوله ويرى نفسه فى وضع متفرد.. ليعود إلى ذات إحساسه بثقته الزائدة فى نفسه بل وغروره الذى اعتاده طيلة توليه المنصب بدرجة توهّم معها أنه هو الذى ينفرد بتحديد سياسة الدولة بعيداً عن مؤسساتها، وهو ما أدى به إلى الهاوية اتفاقاً مع وصايا لقمان: «يا بنى من حمل ما لا يطيقه عجز.. ومن أُعجب بنفسه هلك.. ومن تكبّر على الناس ذل.. ومن لم يشاور ندم».
ويبدو أن غرور «موسى» لم يكفه أن يكون سبباً فى ابتلائنا بـ«مرسى الاستبن وجماعته الإرهابية» لمدة عام كامل -كان كافياً ليعيدنا 100 عام للخلف- إذ إن حنينه لبقايا تلك الأضواء التى انطفأت حوله فور أن غادر موقعه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية قد دفعه أخيراً لأن يلقى بـ«كتابيه» بيساره أمام الرأى العام أملاً فى استرداد ما فقده من بريق وسعياً لكسب أعلى مشاهدة وأكثر متابعة.. ولم يجد سوى نبش قبر الزعيم الرمز جمال عبدالناصر -الذى غادرنا بجسده فقط منذ 47 عاماً كاملاً- وادعائه عليه بالباطل باعتبار أن ذلك هو أقصر الطرق إلى تحقيق ما يستهدفه «من وجهة نظره الخاصة جداً».!!
وإذا كان «موسى» قد تراجع أخيراً وحاول إنكار ما أقدم عليه فور تعرضه لهجوم مضاد: «إننى من مؤيدى الزعيم الراحل ولكن من حقى أن أنتقده»، هكذا سعى فى اتجاه مغاير تماماً لما خطه بيديه فى «كتابيه»، غير أنه فات عليه أن يعى أن ما وجّهه للزعيم من اتهامات باطلة قد تجاوز بمسافات طويلة «حق النقد» الذى يقول عليه ليصل إلى محاولة هدم أحد رموز التاريخ بادعائه أنه اعتاد إصدار أوامره بإحضار طعام من «سويسرا يومياً» لأنه كان ينتظم فى «رجيم لإنقاص الوزن» وهو أمر يعلم هو نفسه أى «موسى» أنه مجرد افتراء على رجل حيّر أجهزة الاستخبارات الأمريكية فى إغرائه، ويكفى هنا «برج الجزيرة» -الذى بُنى بأموال الـ«CIA» التى ظنوا أنها رشوة له- شاهداً على كذب ادعاءاته..! إضافة إلى أن جميع من كانوا يحيطون بالزعيم، وفى مقدمتهم السيد سامى شرف، قد كذّبوا هذه الافتراءات جميعها..!
وإذا كان «موسى» قد حاول التهرب من هذه السقطة بلفت الأنظار إلى مسئولية «نكسة 67» التى يرى أن هذا التعبير «مزيف» وأن التعبير الحقيقى عنها هو «هزيمة 67» فإننا لسنا فى مجال الدفاع عن عبدالناصر أو تبرير هذه «النكسة «فحرب الاستنزاف التى أدارها عبدالناصر والتى بدأت فور حدوثها (أى النكسة) إلى جانب إعداد خطة حرب التحرير التى اعتمدت عليها قواتنا المسلحة فى تحقيق «نصر أكتوبر» كافيه تماماً لنسخ هذه الافتراءات..!
أعتقد أن هذا «التراجع الباهت» من جانب «موسى» لا يكفى ولن أطالبه بسحب نسخ «كتابيه» من الأسواق، بل إن الأمر يستوجب عليه إصدار بيان رسمى يؤكد فيه صراحة أنه قد ارتكب «خطيئة» فى حق زعيم باقٍ فى ضمائر الملايين دون محاولة تبريرها أو التماس أى عذر لنبشه فى قبر الزعيم حتى ولو كان هذا النبش قائماً على حقائق ثابتة، فما بالك وأنه كله افتراءات كاذبة.. وإذا كان استرداد الأضواء هو الهدف، فلو كان الأمر بيدى لكنت قد تعهدت له بأن تطارده كاميرات الفضائيات وتلمع فى عينيه «فلاشات» الصحفيين ليهنأ بما يتمنى استرداده من حياة عاشها نجماً ساطعاً..!
وإذا كان «موسى» مؤمناً حقاً بثقته فى نفسه فإن هذه الثقة تستلزم أن تصاحبها «شجاعة أدبية» وأن يعترف بخطيئته هذه فربما تراوده نفسه مرة أخرى وأخيرة على أن يُقدم على الترشح فى انتخابات الرئاسة المقبلة حتى تُسقط الملايين من أذهانها ارتباطه الوثيق مع المثل الشعبى الدارج بعد إعادة صياغته ليصبح: «اللى تحسبه موسى.. يطلع عمرو»..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *