أخبار عاجلة

محمد يوسف العزيزي يكتب… “ثقافة الاستقالة.. حلم بعيد المنال !!”

عمار يا مصر 
شهد عام 2016 استقالة 8 رؤساء وزراء في عدد من دول العالم ، وبالقطع ليس من بينهم مصر والحمد لله .. لأن الاستقالة في مصر عمل من أعمال الشيطان ، وكُفر بنعمة الله ، وخروج علي المألوف والعرف والتقاليد ، وعيب أن يستقيل رئيس الوزراء أو الوزير أو أي مسئول لأن ذلك فيه هروب من المسئولية وتخلي عن الواجب المقدس في خدمة الوطن ، ولا أذكر مسئولا تقدم باستقالته طواعية غير الشيخ محمد متولي الشعراوي عندما كان وزيرا للأوقاف أيام الرئيس السادات !
قد يقول البعض أن بعض الوزراء يستقيلون ، وكان آخرهم وزير التموين خالد حنفي ، والحقيقة الدامغة .. لا مسئول في مصر يستقيل لكنه يُقال والفرق بين الحالتين كبير وإن كانت النتيجة واحدة هي خروج المسئول من وظيفته .
رؤساء الوزارة الذين استقالوا في 2016 من الأحدث إلي الأقدم هم رؤساء وزراء إيطاليا ونيوزيلندا وبلغاريا والكونغو والكويت وأرمينيا وأيسلندا وبريطانيا .. وقد تفاوتت أسباب الاستقالة من رئيس وزراء إلي الآخر ، لكن ما لفت نظري وشد انتباهي ودفعني للكتابة عن ثقافة الاستقالة علي أنها حلم بعيد المنال هو أسباب بعض الاستقالات والتي نحتاج لتحقيقها تغييرا كبيرا في ثقافة العمل ومفهوم مسئوليات الوظيفة العامة ، وقياس مستوي الأداء وجودة العمل عند المسئول ، وفوق ذلك احترام الذات وتقييم الفرد المسئول لنفسه وإدراكه باستمرار لمدي توهج كفاءته أو خفوتها ، ومعرفة الوقت الذي يجب عليه الانسحاب فيه من مسئوليات القيادة باحترام وشرف وذكري طيبة .
استقال رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي من منصبه في الساعات الأولى من صباح الاثنين 5 ديسمبر بعد إعلان نتيجة الاستفتاء على الإصلاحات السياسية التي كان يريد إقرارها بالبلاد ..وكان الإيطاليون قد صوتوا على عدد من الإصلاحات السياسية التي تبناها رئيس الوزراء والتي توسع من صلاحياته على حساب مجلس الشيوخ، وجاءت النتيجة برفض تلك الإصلاحات ليعلن بعدها بساعات قليلة الاستقالة من منصبه ، وإذا كان هذا الإجراء هو إجراء دستوري فإنه استجاب للدستور واحترم نفسه ودستور بلاده وقوانينها ، وإن كانت الاستقالة ليست بسبب الدستور فإنه رفض الاستمرار في الحكم وهو يدرك أن الشعب الإيطالي رفض ما كان يريده من توسيع لصلاحياته وهو أمر يحسب له ، ويؤكد أن الشعب هو صاحب القرار وعندما يطلب تغيير مسئول لفشله أو تقصيره في عمله ، فليس أمام المسئول إذا استشعر ذلك إلا أن يستقيل حفاظا علي ماء وجهه .. 
واستقال رئيس الوزراء النيوزيلندي جون كي، وكان ثاني رئيس وزراء يستقيل في الـ5 من ديسمبر حيث لم يفصل بين استقالته واستقالة رئيس الوزراء الإيطالي سوى دقائق معدودة ، وقال عن استقالته ( قرار الاستقالة هو الأصعب في حياته مشددا على أنه قدم كل ما بوسعه من أجل خدمة بلاده وليس لديه جديدا يقدمه ) .. وكان رئيس الوزراء قضي في منصبه 8 سنوات .. طبعا الرسالة واضحة لا تحتاج إلي تفسير أو شرح .. إذ يكفي أي مسئول فترة محددة لتقديم كل ما عنده قد تمتد فترة أخري أخيرة لإنجاز باقي ما تعهد به ، بعد ذلك لن يكون في جعبته ما يقدمه للوطن غير الحكمة والمشورة . 
واستقال رئيس وزراء أرمينيا في 8 سبتمبر 2016، وعلل استقالته وقتها بأن بلاده تحتاج إلى سياسات اقتصادية جديدة من أجل إنقاذها من حالة الركود .. وهذا نموذج يدعو للاحترام لأنه لم يقبل أن يعرض بلاده للخطر وهو لا يملك حلولا لأزمتها الاقتصادية فاستقال ليفسح المجال لمن هو صاحب خبرة ورؤية لتخرج بلاده من عثرتها بدلا من التجارب الفاشلة وادعاء الحكمة والخبرة . 
ثقافة الاستقالة ليست عيبا أو تقليلا من شأن صاحبها لكنها فضيلة الاعتراف بالفشل أو التقصير أو عدم القدرة ، وهي تحسب لصاحبها وتضيف إليه قدرا كبيرا من الاحترام في عيون الآخرين طالما لم يستقل وهو متهما في قضية مخلة بالشرف أو بمقتضيات وظيفته .. 
هل تهب علينا رياح ثقافة الاستقالة ، ونتخلص من الإقالة التي بطعم الاستقالة ؟ سؤال أتمني له إجابة في القريب بإذن الله . 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *